وكالات - خلف خلف - النجاح الإخباري - قد يرى البعض أن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مجرد شعارات يصدرها رجل ذو طابع «كابوي» يحب الظهور الإعلامي، إلا أنها في الحقيقة تسهم في هندسة الرأي العام على مستوى المنطقة والعالم بأسره.
فعند تحليل تصريحات ترامب من منظور النظريات والاستراتيجيات الإعلامية، يتضح أنه يسعى إلى تحويل «مسألة التهجير» — التي تُعد جريمة في أعين القانون الدولي — إلى خيار يُناقش على المسرح السياسي الدولي.
نستعرض فيما يلي تحليلًا لهذه التصريحات وفق إطار نظري شامل.
كيف تتأثر الأفكار بالتكرار؟
يمكن الاستدلال هنا بمفهوم («Overton Window») (نافذة أوفرتون)، الذي يحدد نطاق الأفكار والسياسات المقبولة في المجتمع.
من خلال تكرار مصطلحات معينة، يتم توسيع دائرة حدود الواقع المقبول.
إذ أن التعرض المستمر للأفكار المتطرفة يجعلها تبدو أقل تطرفًا بمرور الوقت. وفي هذا السياق، تُسهم تصريحات ترامب المتكررة حول تهجير الفلسطينيين في إعادة تعريف حدود النقاش السياسي، مما قد يؤدي إلى تطبيع أفكار كان الجمهور في السابق يرفض حتى مجرد الاستماع إليها.
كيف يقوم ترامب بذلك؟
يعتمد ترامب على عبارات متكررة مثل:
• «سيُعاد توطين الفلسطينيين في مجتمعات أكثر أمانًا وجمالًا داخل المنطقة»
• «سيسود الاستقرار في المنطقة»
• «سنستولي على تلك القطعة، وسنطورها، وسنخلق الآلاف والآلاف من الوظائف، وستكون شيئًا يفخر به الشرق الأوسط بأسره»
وعندما سُئل عمن سيعيش في قطاع غزة مستقبلاً، أشار إلى إمكانية أن تصبح موطنًا لـ «شعوب العالم»، متوقعًا تحول المنطقة إلى ما يشبه «ريفييرا الشرق الأوسط».
الإطار الفكري واللغوي للتصريحات
وفقاً للنظريات التي طرحها الفيلسوف الأمريكي وعالم اللغويات المعرفية، جورج لاكوف، في كتبه مثل «لا تفكر في فيل» و«السياسة الأخلاقية»، فإن الكلمات والأفكار التي يثيرها الشخص لا تُطرح بمعزل عن سياقها؛ بل تشكل جزءًا من أطر ذهنية أوسع تُعرف بـ «الأنظمة المفاهيمية»، والتي تحدد كيفية فهمنا للعالم.
فعندما يتحدث ترامب عن تهجير السكان، يستخدم لغة تستغل المخاوف والأفكار المسبقة لدى الجمهور، حيث يؤطر اقتراحه كإجراء ضروري لإعادة إعمار قطاع غزة. فمثلاً، يكرر مصطلح «المكان مهدم» في محاولة لخلق تصور بأن اقتراحه إجراء إصلاحي وإنساني، مما يُحول التهجير إلى خطوة تصحيحية بدلاً من انتهاك للقانون الدولي.
لماذا ينجح التكرار في تغيير نظرة الرأي العالم؟
يُوضح مبدأ («Social Proof») (مبدأ الإثبات الاجتماعي) هذا الأمر؛ إذ عندما تُعاد فكرة معينة مرارًا وتكرارًا، يبدأ الجمهور في الاعتقاد بأنها مدعومة من الأغلبية. وهكذا يتحول الإصرار على فكرة التهجير إلى خيار سياسي يبدو مشروعًا، حتى وإن كان منطقها يخالف القوانين الدولية.
إعادة صياغة المفاهيم
يأتي في هذا السياق تطبيق نظريتي («Framing Theory») (نظرية التأطير) و(«Priming Theory») (نظرية التهيئة). فترامب لا يكتفي بالتكرار فحسب، بل يربط فكرة التهجير بمفهوم «إعادة الإعمار الشامل في غزة»، معيدًا تأطير القضية لتظهر كخطوة إصلاحية تُعالج مشكلات قديمة. وقد صرح بأن «الاستقرار سيسود المنطقة»، وأضاف أن الفلسطينيين سيحظون بـ «فرصة للعيش بسعادة وأمان وحرية».
وتكمن خطورة هذا التأطير في تحويل فعل يُعد إجراميًا في أعين القانون الدولي إلى إجراء يُنظر إليه بنظرة إصلاحية.
توجيه اهتمام الجمهور
كما تُوضح لنا نظرية («Agenda-Setting Theory») (نظرية ترتيب الأجندة) كيف يمكن لوسائل الإعلام والقادة تحديد أولويات الحوار العام.
من خلال التركيز المتواصل على فكرة التهجير، يُجبر ترامب وسائل الإعلام على جعل هذه القضية محور النقاش، مما يؤدي إلى تهميش قضايا أخرى جوهرية مثل إعادة إعمار قطاع غزة «المنكوب» أو التخفيف من معاناة سكانه، وخلط الأوراق في المنطقة بهدف تحقيق أفضل النتائج الممكنة في أي مفاوضات مستقبلية.