النجاح الإخباري - في العراء، حيث لا جدران تقي ولا سقف يظلّ، يرتجف الأطفال تحت السماء، يحاولون عبثًا الاحتماء من المطر المنهمر، بينما تعصف الرياح الهائجة بما تبقى من خيامهم المهترئة.

في مواصي خان يونس، حيث لجأ المنهكون بعد أن سُلبت منهم بيوتهم، تهاوت المآوي القماشية كأوراق الخريف، تاركةً الأمهات يستغثن لإنقاذ عائلاتهن، وأيادٍ واهنة تحاول عبثًا تثبيت أعمدة في مهب الريح.

المطر هنا ليس غيثًا، بل اختبار آخر للقهر، يضرب الأرض التي أنهكها الحصار، ويمزق الخيام كما مزقت القذائف البيوت، ليضاعف وجع الناجين، ويغرق أرواحهم في حزن لا يجففه زمن.

 خيام ممزقة وأحلام غارقة في الطين

في مخيمات النازحين المنتشرة في مناطق متفرقة من غزة، تبدل الصراخ من هول القذائف الإسرائيلية وحممها، إلى صراخ من عواصف الرياح وأمطارها التي حولت المساحات الصغيرة التي كانت تؤويهم إلى مستنقعات موحلة. الأطفال يرتجفون من البرد، والأمهات تحاولن جاهدات إنقاذ ما تبقى من متاعهن البسيط، والآباء يائسون أمام مشهد الخيام الممزقة والبطانيات التي لم تعد تصلح لدرء البرد القارس. "لم نكن ننتظر رفاهية، فقط سقفًا يمنع عنا المطر"، هكذا عبرت أم محمد، نازحة فقدت منزلها سابقًا، بينما كانت تحاول إنقاذ ما تبقى من حاجياتها الغارقة.

معاناة تفيض بالألم

في مواصي خان يونس قال الصحفي ثائر عابد إن الوضع مأساوي جدًا ، حيث طارت الخيمة التي تأويه وعائلته وتكسرت أمام أعينهم، لينفرد بهم البرد القارس وتضربهم زخات المطر بلا رحمة قال لـ"النجاح : من مبارح بالليل أنا و عيلتي بالشارع، الجو كارثي بكل ما تحمل الكلمة من معنى، ما في حلول بننتظر حلول السماء".

وقال زياد أبو الحمص: "خيام أهل غزة تغرق الآن بفعل مياه الأمطار الشديدة، وفراشهم يسبح في الوحل والطين، وأطفالهم يرجفون من شدة البرد، في مشهد من أقسى وأوجع مشاهد الحرب على الإطلاق !!

اللهم لأجل الصغار الرُضع، والشيوخ الرُكع، والنساء العُجز، ارفع عنا هذا البلاء، وأنزل علينا فرجك ورحمتك !".

وأضاف مستجديًا حلول السماء: "اللهم إنا نُقسم بك عليك، ونتوسل بك إليك، أن تغيث أهل غزة، وتلطف بهم، وترحم ضعفهم، برحمتك يا أرحم الراحمين !!

أما أبو ياسر وهو أحد النازحين في خان يونس، فوصف المعاناة بصوت بحّه المرض: "استيقظت على صرخات أطفالي وبكائهم، كانت المياه تحاصرنا من كل الجهات، حتى الخيمة التي كانت تسترنا طارت وتهدمت أمام أعيننا"، وأضاف أن الأمطار الغزيرة اخترقت الخيام منذ ساعات الفجر الأولى. أما أم حسين، فقد جلست تحت شجرة تحاول احتضان أطفالها، بينما تروي بصرخة ودموع: "نحن لسنا بشرًا في نظر العالم؟ أين منظمات الإغاثة؟ أين الضمير الإنساني؟".

من جهته، يؤكد أحد عمال الإغاثة الميدانيين، رفض الكشف عن اسمه، أن "الوضع كارثي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فرق الإنقاذ تحاول مساعدة العائلات، لكن الموارد محدودة والاحتياجات تفوق الإمكانات".

 مأساة كان يمكن تفاديها

تعاني مخيمات النازحين في غزة من هشاشة البنية التحتية وانعدام وسائل الحماية الأساسية ضد العوامل الجوية. مع كل منخفض جوي، تتكرر الكارثة ذاتها، حيث تتحول الخيام إلى مصائد للمياه، وتتفاقم معاناة السكان الذين يعيشون أصلاً في ظروف إنسانية مزرية.

وفقًا لتقارير الطقس، فإن هذا المنخفض الجوي يعد من أشد العواصف التي شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة، مصحوبًا برياح عاتية وأمطار غزيرة أغرقت شوارع المدينة وأدت إلى ارتفاع منسوب المياه في المخيمات. ورغم التحذيرات الجوية المسبقة، لم تكن هناك استعدادات كافية لتفادي ما حدث.

 استجابة عاجزة أمام حجم الكارثة

استجابت الطواقم الإنسانية والطبية بسرعة، إلا أن الإمكانيات المحدودة لم تسعفهم في تغطية حجم الدمار. فرق الدفاع المدني عملت لساعات طويلة لإجلاء العالقين وإنقاذ الأطفال، فيما وزعت بعض المؤسسات الإنسانية مساعدات غذائية وملابس دافئة، لكن النازحين يؤكدون أن ما وصلهم لا يكفي لتغطية احتياجاتهم الأساسية.

منظمة الهلال الأحمر الفلسطيني دعت المجتمع الدولي لتقديم مساعدات عاجلة، محذرةً من تفاقم الوضع الصحي في المخيمات نتيجة البرد القارس ونقص الخدمات الأساسية.

إلى متى ستظل غزة تدفع الثمن؟

في غزة، تتكرر المعاناة مع كل شتاء، حيث يبقى النازحون في مواجهة الطبيعة بلا حماية، بلا مأوى، وبلا حلول جذرية تنهي هذه المأساة المستمرة. فإلى متى سيظل هؤلاء الضحايا مجرد أرقام في نشرات الأخبار، بينما يستمر العالم في صمته؟

قد تكون الخيام قد انهارت، لكن أرواح النازحين ما زالت تصرخ بحثًا عن العدالة، وعن حق أساسي في العيش بكرامة.