النجاح الإخباري - منال الزعبي - شهدت الأراضي الفلسطينية المحتلة توسعًا استيطانيًا إسرائيليًا متصاعدًا منذ السابع من أكتوبر 2023، مما يفاقم التوتر ويقتل أي آمال لعملية سلمية مستقبلية تتطلع لها جل دول العالم.
في سياق تحليل انعكاسات هذا "التصعيد الخطير"، استطلعنا آراء متخصصين بارزين في شؤون الاستيطان، منهم وليد أبو محسن، خليل التفكجي، وجمال جمعة. لتقديم رؤى معمقة حول الأبعاد الراهنة والمستقبلية لهذا التوسع الاستيطاني المتسارع.
تطورات الاستيطان بعد السابع من أكتوبر
قال جمال جمعة، خبير في الشؤون الاستيطانية، لـ"النجاح"، إن المشروع الاستيطاني الكولونيالي في الضفة الغربية هو مشروع إحلالي بدأ منذ عام 1967 ومر بمراحل متعددة، أبرزها بناء جدار الفصل العنصري الذي حدد المناطق التي ستحاصر فيها الفلسطينيين، وتمديد الاستيطان بشكل كبير منذ عام 2002.
وأوضح جمعة أن إسرائيل عملت بشكل مكثف على تعزيز المشروع الاستيطاني من خلال توسيع المستوطنات القائمة ونشر البؤر الاستيطانية التي تعتبر ملاذًا أمنيًا من الضغوطات الدولية. الهدف الرئيسي من هذه البؤر هو ربط المستوطنات الكبيرة ببعضها البعض والسيطرة على المساحات الفلسطينية الشاسعة، مما يعوق التواصل العمراني الفلسطيني ويمنع استغلال الأراضي بشكل شرعي.
وأشار جمعة إلى أن خطة الضم الإسرائيلية لعام 2020 تهدف إلى تشريع الاستيطان ومنحه شرعية دولية. وأضاف أن تطبيع الدول العربية مع إسرائيل يعزز من شرعية كل ما تقوم به إسرائيل على الأرض، مما يهدد بتصفية القضية الفلسطينية.
وأكد أن الاحتلال يستغل الحرب على غزة لتسريع عملية الضم في الضفة الغربية، حيث أعلن سموتريتش ونتنياهو وبن غفير عن بناء 18 ألف وحدة استيطانية جديدة ورصد مليارات الشواقل للبنية التحتية في الضفة الغربية.
وأوضح جمعة أن الاحتلال يعمل على مأسسة الاستيطان بشكل سريع من خلال تفكيك الإدارة المدنية ونقل صلاحياتها إلى وزارة المستوطنات، مما يعني ضم الضفة الغربية بشكل فعلي.
ويرى جمعة أن مواجهة هذا التوسع الاستيطاني تتطلب قرارات استراتيجية وسياسية على أعلى مستوى، من بينها إنهاء الاعتراف بكيان الاحتلال ووقف جميع أشكال التنسيق معه، وتوحيد الشعب الفلسطيني لمقاومة المشروع الاستيطاني.
-5 بؤر استيطانية جديدة -
بدوره وليد أبو محسن، الخبير في ملف الاستيطان، أكد لـ"النجاح" أن هناك تطورات كبيرة في الاستيطان الإسرائيلي بعد السابع من أكتوبر. وأشار إلى صفقات واتفاقيات بين حكومة نتنياهو ووزراء مثل سموتريتش وبن غفير لتعزيز الاستيطان وتشريع خمس بؤر استيطانية جديدة.
وأوضح أبو محسن أن عدد المستوطنين في الضفة الغربية والقدس الشرقية تجاوز 700 ألف، مما يمثل زيادة كبيرة منذ اتفاق أوسلو.
وأضاف أن المستوطنات الجديدة حوّلت الضفة إلى كتل منفصلة، مما يجعل التنقل بين المدن الفلسطينية أكثر صعوبة.
وأشار إلى أن الاستيطان الإسرائيلي يشكل كارثة حقيقية للشعب الفلسطيني، حيث تتوسع المستوطنات على حساب الأراضي الفلسطينية، ويمارس العديد من المستوطنين أعمال العنف ضد الفلسطينيين. ذكر حادثة حرق منزل عائلة دوابشة كمثال على هذا العنف.
وأكد أبو محسن أن حكومة نتنياهو الحالية، بدعم من سموتريتش وبن غفير، تسعى لتعزيز الاستيطان وفرض أمر واقع على الفلسطينيين والمجتمع الدولي. أوضح أن مناطق (C) تشكل مسرحًا لهذا التوسع الاستيطاني، مشيرًا إلى أن هذا التوسع يقوض فكرة حل الدولتين.
ولفت إلى أن الحكومة الإسرائيلية تستخدم ملف الاستيطان لكسب الأصوات الانتخابية، مما يؤدي إلى تقديم مزيد من الامتيازات للمستوطنين على حساب حقوق الفلسطينيين.
الاستيطان قبل وبعد السابع من أكتوبر
خليل التفكجي، الخبير في شؤون الاستيطان، قال لـ"النجاح" إن التوسع الاستيطاني الإسرائيلي ليس مرتبطًا بأحداث السابع من أكتوبر، بل هو جزء من برنامج مستمر منذ عام 1967.
وأوضح أن المشاريع الاستيطانية، مثل فتح الشوارع الالتفافية ومشروع الضم التدريجي، كانت معدة مسبقًا، ولكن تم تنفيذها بعد السابع من أكتوبر.
وأشار التفكجي إلى أن هناك اتفاقًا بين الأحزاب الإسرائيلية حول قضية القدس والاستيطان داخل الضفة الغربية، مما يعزز التوسع الاستيطاني في القدس وإنشاء مؤسسات سيادية وتوسيع المستوطنات القائمة. هذا التوسع يشمل إنشاء مستوطنات جديدة وتوسيع القائم منها، بما في ذلك مشروع النجوم الذي بدأ في منطقة اللاترون حتى منطقة جنين.
تمزيق الضفة
تتسبب المستوطنات والبؤر الاستيطانية في مضاعفات سلبية على حياة الفلسطينيين، حيث تمزق الضفة الغربية إلى كتل منفصلة وتجعل التنقل بين المدن صعبًا وخطيرًا.
وأشار أبو محسن إلى أن العديد من المستوطنين يمارسون أعمال العنف ضد الفلسطينيين، مثل الحرق والقتل والتدمير، مشيرًا إلى حادثة حرق منزل عائلة دوابشة كأحد الأمثلة على هذا العنف.
كما أكد التفكجي أنه لا يمكن إقامة دولة فلسطينية دون إزالة المستوطنات، مشيرًا إلى أن الوضع الحالي يقوض أي إمكانية لحل الدولتين. وأوضح أن حكومة نتنياهو الحالية، بدعم من وزراء مثل سموتريتش وبن غفير، تسعى لتعزيز الاستيطان وفرض أمر واقع على الفلسطينيين والمجتمع الدولي بأن الاستيطان باقٍ في الضفة الغربية.
انتفاضة جديدة
وفيما يتعلق بالسيناريوهات المحتملة لمستقبل التوسع الاستيطاني، أكد التفكجي أن إسرائيل مستمرة في تقسيم الضفة الغربية بشوارع طولية وعرضية، مما يخلق تواصلاً جغرافياً بين المستوطنات ويعزل التجمعات الفلسطينية.
وأوضح أن المدن الفلسطينية مثل رام الله ونابلس وجنين محاصرة بالمستعمرات والشوارع الإسرائيلية، مما يقطع التواصل الجغرافي بينها.
وشدد على أن الحلول تتطلب إزالة هذه المستوطنات لتحقيق تواصل جغرافي بين المدن الفلسطينية وضمان سيادة فلسطينية حقيقية.
و أوضح التفكجي أن استمرار الاستيطان دون رادع دولي يعزز من احتمالية اندلاع انتفاضة جديدة في الضفة الغربية، في ظل غياب الضغوطات الدولية على إسرائيل لوقف اعتداءاتها وتوسعاتها الاستيطانية.
الصراع الانتخابي وتأثيره على الاستيطان
وأوضح أبو محسن أن الحكومة الإسرائيلية الحالية تستخدم ملف الاستيطان كأداة لكسب الأصوات الانتخابية، حيث يقدم الوزراء هدايا للمستوطنين والمتطرفين الإسرائيليين لكسب دعمهم في الانتخابات. وأكد أن هذا الصراع على الصوت الانتخابي يؤدي إلى تقديم مزيد من الامتيازات للمستوطنين على حساب حقوق الفلسطينيين، مما يعزز التوسع الاستيطاني ويزيد من تعقيد الأوضاع في الضفة الغربية والقدس الشرقية.
الأبعاد المستقبلية
جمال جمعة، منسق الحملة الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان يرى أن التوسع الاستيطاني الأخير يمثل تصعيدًا خطيرًا يهدد بإشعال انتفاضة جديدة في الضفة الغربية. وأوضح أن إسرائيل تستغل الوضع الدولي الحالي لتنفيذ خططها الاستيطانية دون أي رادع، مما يفاقم من معاناة الفلسطينيين ويزيد من التوترات على الأرض.
وأوضح جمعة أن تقسيم الضفة الغربية بشوارع طولية وعرضية يؤدي إلى إنشاء دولتين داخل الضفة الغربية: واحدة للمستوطنات الإسرائيلية وأخرى للتجمعات الفلسطينية المحاطة بالمستوطنات والشوارع والأنفاق والجسور. هذا الوضع يقطع التواصل الجغرافي بين المدن الفلسطينية ويحكم السيطرة عليها من قبل الاحتلال.
وأجمع الخبراء الثلاثة على أن استمرار التوسع الاستيطاني والتقسيم الجغرافي الممنهج والذي يغير خريطة فلسطين ويجزأها لإحكام السيطرة عليها سيؤجج ويفاقم الوضع الراهن وصولًا إلى انتفاضة عارمة في الضفة، وأن لا حل أمام عنجهية إسرائيل وعدم رضوخها للقرارات الدولية واستمرارها بنهجها المتسلط إلا بتوحيد البيت الفلسطيني ومقاومة هذا الاحتلال وتفكيك مستوطناته وردع مستوطنيه بالقوة.
إن تصاعد الاستيطان الإسرائيلي بعد السابع من أكتوبر يعكس توجه الحكومة الإسرائيلية نحو تعزيز الوجود الاستيطاني وفرض أمر واقع على الفلسطينيين والمجتمع الدولي. هذا التوسع يقوض فكرة حل الدولتين ويزيد من تعقيد الأوضاع على الأرض. ويبقى السؤال المطروح هو كيف يمكن للمجتمع الدولي أن يتعامل مع هذا التحدي الجديد ويعمل على إيجاد حلول سلمية تضمن حقوق الفلسطينيين وتحقق السلام في المنطقة.