النجاح الإخباري - في مشهد ملتهب ظهر السبت، اختارت إسرائيل أكثر لحظات مخيم النصيرات ازدحاماً لتدفع بعشرات من جنودها تحت غطاء كثيف من نيران المدفعية والطيران، في محاولة جريئة لاستعادة أربعة من أسراها الذين كانوا محتجزين لدى حركة حماس لأكثر من ثمانية أشهر.
العملية التي أدت إلى استعادة امرأة وثلاثة رجال إسرائيليين، بينهم الإسرائيلية نوعا أرغاماني، وخلّفت أكثر من 200 شهيد فلسطيني ومئات الجرحى، في واحدة من أعنف العمليات العسكرية في غزة منذ عملية مخيم الشابورة في رفح في فبراير الماضي. ولكن هذه المرة، كان الثمن أكبر بكثير، مع دماء أكثر سالت في دقائق معدودة.
معاملة الرهائن والأسرى: جدل مستمر
عادت صورة نوعا أرغاماني، قبل أسرها وبعد تحريرها، لتنتشر على منصات التواصل الاجتماعي، مما دفع النشطاء لمقارنتها بصور لأسرى فلسطينيين أُفرج عنهم سابقاً من معسكرات الاعتقال الإسرائيلية. الناشط اليهودي الأميركي، ماكس بلومنثال، نشر عبر حسابه على منصة إكس صورة لأرغاماني إلى جانب صورة لأسرى فلسطينيين وعلّق قائلاً: "على اليسار: الإسرائيلية نوعا أرغاماني بعد إطلاق سراحها من أسر حماس في غزة. على اليمين: رجال فلسطينيون من غزة بعد إطلاق سراحهم من الأسر في معسكر الاعتقال سدي تيمان الإسرائيلي."
وأثار المنشور تفاعلاً واسعاً، حيث حصل على مئات التعليقات المؤيدة والمعارضة، وأكثر من 16 ألف إعجاب و9500 إعادة نشر. البعض أشار إلى أن أرغاماني قد أصيبت بجروح في غارة جوية إسرائيلية في يناير، مما يبرز التهديد الأكبر الذي يواجهه المحتجزون في غزة من الجيش الإسرائيلي نفسه.
في المقابل، استعاد بعض المعلقين صوراً من عمليات تبادل أسرى سابقة، حيث ظهر الأسرى الإسرائيليون وهم يلوحون مودعين آسريهم من حماس أثناء تسليمهم لطواقم الصليب الأحمر. هذه المشاهد أثارت غضباً إسرائيلياً وصل إلى حد المطالبة بمنع بث عمليات تبادل الأسرى ومنع المحتجزين الإسرائيليين المفرج عنهم من الحديث إلى وسائل الإعلام.
شهادات وتقارير دولية
من جهة أخرى، سلّطت منظمة العفو الدولية "أمنستي" الضوء على معاملة الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. المنظمة أشارت إلى شهادات وأدلة بالفيديو تظهر تعرض المعتقلين الفلسطينيين للضرب والإذلال. وفقاً لتقارير "أمنستي"، يُجبر المعتقلون على الركوع على الأرض، وغناء أناشيد إسرائيلية، وهم معصوبو الأعين، وعُراة، ومقيّدو الأيدي.
وأضافت "أمنستي" أن هناك أشرطة فيديو يتم تداولها على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر جنوداً إسرائيليين يضربون ويهينون معتقلين فلسطينيين. وقالت المنظمة إنها جمعت شهادات متعددة تؤكد هذه المعاملة القاسية، مما يعزز الحاجة إلى تحقيق دولي حول انتهاكات حقوق الإنسان في السجون الإسرائيلية.
زاوية ضعف أم خلل عسكري؟
يرجع خبير رسم السياسات الأمنية محمد القاسم ما جرى في عملية النصيرات إلى ما وصفها بأنها "زاوية ضعف" في حراسة الأسرى يعتقد أن وراءها "مبالغة حماس في الحفاظ على صحة الرهائن". وأضاف القاسم لوكالة أنباء العالم العربي في رسالة نصية من عمّان: "هل هي نقطة ضعف أو خلل عسكري؟ بعد 8 أشهر من الحرب الإسرائيلية المدمرة لابد في الحروب أن تكون هناك نقاط تفوق لأي طرف.. هي كر وفر ونقاط خسارة للطرف المقابل".
وتابع الخبير الأردني: "نحن هنا لا نتحدث عن جيش بل نتحدث عن قوة مقاومة. بالتالي هي زاوية ضعف أكيد.. اخترقها الشاباك المدجج بكل هذه التكنولوجيا.. لكن قد تكون المعلومات التي وصلت إلى الشاباك من خلال مبالغة حماس في الحفاظ على صحة الرهائن وتوفير المسكن لهم في ظروف معينة. وهذا يخدم حماس من زاوية إعلامية وما إلى ذلك.. لكن في زاوية أخرى كان عليهم الانتباه لها وهي أن كثر المبالغة في هذا الأمر إن كانت مبالغة حقيقة.. قد تكون المعلومات التي قدمت للشاباك من خلال الملف الطبي".
تستمر قضية معاملة الرهائن والأسرى في إشعال الجدل بين الإسرائيليين والفلسطينيين، مما يعكس التوترات العميقة والانقسامات المستمرة. الصور والشهادات المتناقضة تزيد من تعقيد هذه القضية، في ظل مطالبات متزايدة بتحقيق العدالة واحترام حقوق الإنسان لكلا الجانبين.
يبقى أن نرى كيف ستؤثر هذه النقاشات والضغوط الدولية على سياسات المفاوضات ومخرجاتها، في وقت تظل فيه معاناة الأسرى والرهائن شاهدة على عمق الصراع وأثره المدمر على الإنسانية.