نابلس - النجاح الإخباري - عقب الإعلان الرسمي للاعتراف بدولة فلسطين من قبل ثلاث دول، بدأ الترحيب بهذه الخطوة على المستوى الفلسطيني والعربي والعالمي، فيما أبدى الإسرائيليون غضبا، بل واتخذ قادة الاحتلال ردود فعل يصفها الكثير من المراقبين بـ"الصبيانية"، مثل إعلان فك الارتباط في شمال الضفة الغربية، واقتحام وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير المسجد الأقصى، والتهديد بوقف أموال المقاصة للسلطة الفلسطينية.

ولكن ماهي أبعاد هذه الاعترافات التي توالت من قبل دول العالم في ظل استمرار الاحتلال بعدوانه على قطاع غزة.
الكاتب والمحلل السياسي الدكتور أحمد رفيق عوض، قال للنجاح: " إن هذا الاعتراف مهم ونشكر هذه الدول لأنها انسجمت مع مبادئها ومع شارعها ومع جمهورها بالاعتراف بالدولة الفلسطينية".
وحول معاني هذا القرار وأبعاده، قال عوض: "أولا الاعتراف يعني بأن الشعب الفلسطيني يستحق وأنه قدم كل التضحيات من أجل انتزاع هذا الاعتراف، كما أن هذه رسالة مهمة جدا للمحتل ولمن يدعمه، أنه ليس هو المحتكر للقرار في هذا الصراع، الذي يبدو بلا نهاية والذي بالعكس تتم إدارته وليس حله، لهذا السبب هذا الاعتراف هو جزء من الحل، جزء من الخروج من الدائرة الجهنمية جزء من كسر احتكار أميركا وإسرائيل للقرار ولإدارة الصراع وليس حله".
وأعلنت إسبانيا والنرويج وإيرلندا، اليوم (الأربعاء)، اعترافها بالدولة الفلسطينية، لتنضم بذلك إلى 144 دولة أخرى أعلنت ذلك في الماضي.
وتعترف الأغلبية المطلقة البالغة 75% من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية، وفي العام الماضي أعلنت 7 دول جديدة ذلك.
- ترجمة للقرارات الدولية
ويشير عوض إلى أن الاعتراف جاء ترجمة للقرارات الدولية والمبادرات وترجمة للنوايا الحسنة وخطوة تقدم إلى الأمام، لهذا السبب هذا حدث مهم جدا، ومن تداعياته اعتقد أن يكون هناك اعترافات أخرى، وأن يجر أيضا أطراف أخرى للاعتراف.
وتطرق عوض إلى ردود فعل الاحتلال المتوقعة والغاضبة والغبية على حد تعبيره، وقال: “من المؤكد أن إسرائيل ستحاول إرسال رسالة للعالم، -رسالة عناد وغباء وعمى – من خلال الضغط على الشعب الفلسطيني. ويبدو أن هذا بدأ سريعا حتى وصل بهم الأمر لمعاقبة تلك الدول الثلاث التي اعترفت بالدولة الفلسطينية".
وأضاف: "هذا يدل على الصلف والعناد والتصرف الطفولي الغرائزي، بل وقد يؤدي إلى تعقيد الأمر وانقلاب السحر على الساحر"، فكما قال لبيد (يائير لابيد زعيم المعارضة الإسرائيلية) أن هذا القرار يدل على فشل سياسي لحكومة إسرائيل، وطبعا هذا فشل سياسي لأنه تعبير عن استخدام القوة التي تسبق السياسة، وبالتالي السياسة الإسرائيلية فشلت في أن تحول حتى القوة إلى نتائج حقيقية".
- جزء من برنامج حكومة الاحتلال
أما عن تصريحات وزراء حكومة الاحتلال حول فرض عقوبات على السلطة الفلسطينية وإقامة المزيد من البؤر الاستيطانية، قال عوض: "إن هذه الممارسات أو الإجراءات الجديدة والعقابية التي تسمى عقابية هي ليست عقابية، فهي عمليا جزء من برنامج حكومة الاحتلال حتى قبل السابع من أكتوبر، الذي هو تفكيك السلطة الفلسطينية أو إضعافيها، وتعميق الاستيطان، وكل هذا مخطط له مسبقا".
وتابع حديثه أن حكومة الاحتلال تريد تفجير الوضع لتستفيد من ذلك، خاصة الأوضاع في الضفة، وهذا قد يؤدي لمراحل سيئة، وهذا لن يجعلها بأفضل حالاتها فهي ستصطدم أولا بجمهورها الذي سيزيد من التظاهرات ضد نتنياهو خاصة بعد مذكرات الاعتقال بحقه، وبالتالي إسقاط هذه الحكومة.
أضف لذلك الصراع الخارجي مع القوى الدولية، والإقليم العربي، وحتى مع حتى الإدارة الأمريكية التي تريد أيضا إنجاز كل هذا الصراع لديه، وتريد أن تعود لجمهورها لتقول إن هناك إنجاز.
هذا وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد سارعت للحديث بأنه لا يمكن إقامة دولة فلسطينية إلا من خلال المفاوضات.
وحول ذلك قال عوض: "إن الإدارة الأمريكية وبالتحديد الحالية بإدارة بايدن هي إدارة ضعيفة جدا ومتناقضة، وهناك لغات عدة تصدر عنها، ولكن في نهاية الأمر الإدارة الأمريكية شريكة في الحرب، شريكة في التخطيط، شريكة في التغذية في التمويل... الخ، وبالتالي لا يمكن فصل أمريكا عن السياسة الإسرائيلية والأهداف الإسرائيلية".
وقبل إعلان إسبانيا والنرويج وأيرلندا، كانت السويد آخر دولة أوروبية تعترف بالدولة الفلسطينية في عام 2014. علما أن 11 دولة من أصل 27 (40٪) من أعضاء الاتحاد الأوروبي تعترف بالدولة الفلسطينية. ومن الدول البارزة التي سبق أن أعلنت الاعتراف بها روسيا والصين والبرازيل والهند والأرجنتين.
- إنجاز تراكمي
من جهته قال المحلل السياسي د. حمادة فراعنة حول الاعتراف بدولة فلسطين وتداعيات ذلك، أن هذه الإضافة تراكمية وليست إضافة نوعية. وفسر ذلك بالقول: "إضافة تراكمية لسلسلة البلدان التي ساندت الدولة الفلسطينية في التصويت في الجمعية العامة. 143 دولة اعترفوا بالدولة الفلسطينية بعد أن كانوا 138 عام 2012.، ولذلك هذا شيء تراكمي، أما الجانب الإيجابي يكمن في أنهم من البلدان الأوروبية، بلدان المجموعة الأوروبية، وهذا الشيء النوعي ولكن لن يكون بالشيء الجديد".
وأشار فراعنة إلى أن النشاط الفلسطيني في أوروبا يسير بالاتجاه الإيجابي، وخصوصا من قبل الجاليات الفلسطينية ومن الأحزاب الصديقة أو الداعمة أو المساندة للشعب الفلسطيني. في الأزمات كان هنالك بعض الإعاقات ممكن تكون أمام أي نشاط، لكن بعد الاعتراف من قبل هذه البلدان لا شك أن النشاط الفلسطيني سيكون علني ومقبول وبطريقة رسمية لذلك. هذه إضافة إلى سلسلة من الكمية التي يحققها الشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير والحركة الوطنية الفلسطينية. "
واعتبر فراعنة أنه حينما نتوقف أمام محكمة العدل الدولية وأمام محكمة الجنايات الدولية فهذا نوع من التراث، من الإنجازات التراكمية في النضال الفلسطيني ولصالح فلسطين وضد المستعمرة الإسرائيلية. يجب ألا يكون القياس هو ردة الفعل الإسرائيلية، ذلك أن ردة الفعل الإسرائيلية المتطرفة، هذا الفريق الحاكم لدى المستعمرة الإسرائيلية فريق متطرف، وبالتالي سيتخذ كل الإجراءات التي يرى أنها معيقة للنضال الفلسطيني."
وحول إن كانت مثل هذه الاعترافات ستشكل ضاغطا أيضا على دول أخرى في الاتحاد الأوروبي من أجل الاعتراف بالدولة الفلسطينية، خصوصا في ظل حرب إبادة يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، قال فراعنة: "لن تكون ضاغطة، ولكنها ستكون محفزا للبلدان الأخرى المترددة حينما تجد نجاح هذه البلدان، ولذلك ردة الفعل الأمريكية والإسرائيلية وغيرها ليس خشية القرار من البلدان الثلاثة، ولكن لأن هذا القرار هو الذي سيحفز الأخرين نحو هذا القرار، ولكن يجب أن يكون واضح أن النضال الفلسطيني يحقق مكاسب تدريجية".
- الضربة القاضية
وشرح فراعنة: "لا يملك الشعب الفلسطيني والحركة الوطنية القدرة على توجيه ضربة قاضية للمستعمرة الإسرائيلية، ولكنه يحقق إنجازات تراكمية لصالحه على حساب المستعمر الإسرائيلي. ولذلك قلت بأن هذه خطوة إيجابية تراكمية ليست يعني انقلاب في المشهد السياسي الدولي، ولكنه إضافة إيجابية نوعية تراكمية على الطريق الطويل".
وحول رفض نتنياهو وقف الحرب رغم كل هذه الخطوات والضغوط الدولية، قال فراعنة: "نتنياهو يقول إن هذه الحرب هي حرب الوجود بيننا وبين الفلسطينيين وبالتالي كلامه دقيق وصريح وصحيح. صحيح أنه لن يكون هنالك ضربة قاضية، ولكن هذا التراكم هو الذي يؤدي إلى نهاية المطاف بانتصار فلسطين وهزيمة المستعمرة الإسرائيلية، ولذلك الرد على ذلك بالإجراءات الإسرائيلية القمعية الفاشية المتطرفة. هي الحقيقة التي دفعت شعوب العالم وبلدان العالم وطلبة الجامعات لهذا الانحياز".
وأكمل: "الشعب الفلسطيني يدفع ثمن حريته واستقلاله وثمن الانحيازات الإيجابية لصالحه، ومن هنا المستعمر الإسرائيلية أكثر طرف على الإطلاق. أكثر طرف يدرك أهمية هذه الإنجازات التراكمية وإلى أين تؤدي. هي تؤدي إلى العزلة، إلى التراجع، إلى الانحسار، إلى تعرية المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، إلى تعرية الرواية الصهيونية الإسرائيلية، وبالتالي هي تفعل ذلك على الأرض، لأنه أيضا يجب أن نقر وأن نعترف وأن ندرك أن كل المجتمع الدولي على الإطلاق كله يقف إلى جانب فلسطين لا قيمة له إذا لم يكن هنالك نضال فلسطيني على الأرض يحقق الإنجازات التراكمية على حساب المستعمرة الإسرائيلية.