نابلس - النجاح الإخباري - بكر دراغمة
منذ حرب الإبادة التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من تشرين أول/ أكتوبر الماضي؛ تصاعدت الاعتداءات الاستيطانية تجاه القرى والبلدات الفلسطينية في الضفة؛ وتحديدا تلك القريبة من المستوطنات الإسرائيلية، فلا يمر يوم إلا وتشهد عديد المناطق في الضفة انتهاكات واعتداءات من قبل العصابات الاستيطانية؛ وسط تحريض واسع من قبل الوزراء المتطرفين في حكومة الاحتلال.
وفي هذا السياق يقول رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان مؤيد شعبان إن الضفة الفلسطينية تشهد حربًا حقيقية مفتوحة، فبعد أحداث السابع من أكتوبر وبداية العدوان والمجازر والإبادة الجماعية التي تجري في غزة من قبل دولة الاحتلال؛ استغل المستوطنون انشغال العالم بما يجري في غزة؛ لفرض سياسة الأمر الواقع وتكريس دولة المستوطنين.
الاستيطان يبتلع حلم الدولة
ويضيف شعبان ما يحدث هو حرب منظمة وعملا ممولا يهدف إلى خلق كل الظروف البيئية الطاردة للموطنين؛ فمنذ السابع من تشرين أول الماضي ارتقى 17 شهيدًا برصاص المستوطنين؛ وتم مصادرة 27 ألف دونم من أراضي المواطنين، بالإضافة إلى زيادة البؤر الاستيطانية في كل أنحاء الضفة الغربية، ويشير شعبان إلى أن قوات الاحتلال والمستوطنين عملوا على تهجير أكثر من 25 تجمعًا بدويًا فلسطينيًا في السفوح الشرقية للضفة الغربية، تضم 1338 مواطنًا هجروا قسريًا في ظل ظروف إنسانية مأساوية؛ ناهيك عن اقتلاع حوالي 9500 شجرة زيتون.
وأوضح شعبان أن المتتبع لخريطة تهجير التجمعات البدوية يجد أن كلها موجودة في السفوح الشرقية للضفة؛ والذي يمتد من مسافر يطا حتى الوصول إلى الأغوار الشمالية، وبالتالي انعدام أي أفق سياسي أو حتى انعدام لهذا الحل الذي تطرحه دول العالم وهو حل الدولتين إذا ما تمت السيطرة المطلقة على هذه المناطق في عملية التهجير.
غياب خطة الصمود الوطنية
ويؤكد رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان مؤيد شعبان على أن الدعم المقدم للتجمعات يتم بالإمكانيات المتاحة سواء كان ذلك من الهيئة أو من الوزارات الشريكة لتوفير كل الإمكانيات لتعزيز صمود المواطنين فيها، إلا أن الظروف المالية التي تمر بها السلطة الوطنية الفلسطينية في ظل الحصار الغير مسبوق على الشعب الفلسطيني؛ فإن الدعم غير كافٍ، مشيرًا إلى أن ثمة تعاون مع الجمعيات والمؤسسات الخيرية ومع رجال الأعمال وهذا كله ليس كافيا؛ المطلوب كما يرى شعبان هي خطة وطنية حقيقية لدعم وتمكين صمود المواطنين الفلسطينيين، تبنى على صمود وطني بامتياز.
لجان الحراسة وغياب الأدوات
الهدف من تشكيل لجان الحراسة في القرى والبلدات الفلسطينية هو تنبيه الأهالي؛ فهي لا تملك سلاحًا تجابه أي اعتداء، كما يقول شعبان؛ مضيفًا يجب على المواطنين والفصائل الفلسطينية البحث عن أفكار خلاقة جديدة للدفاع عن المواطنين؛ وهذا ما يجب أن تناقشه فصائل العمل الوطني والإسلامي في الضفة الغربية، بشكل جدي والخروج بأفكار حقيقية يستطيع المواطن الفلسطيني من خلالها الدفاع عن نفسه.
الاحتلال قطع أوصال الضفة.. والمستوطنون يستفردون بها
عمل الاحتلال الإسرائيلي على وضع حواجز عسكرية منتشرة في أرجاء الضفة تقسم شمالها ووسطها وجنوبها؛ لا يمكن للفلسطينيين العبور من أي منطقة إلا بالمرور منها.
ويقول شعبان نحن نعيش في معازل أو كانتونات في لحظة يمكن أن تُغلق علينا، فكل قرية يجب أن تتعامل مع نفسها بنفسها إذا ما وقع أي اعتداء من العصابات الاستيطانية بفعل إغلاق الاحتلال الطرق المؤدية إلى القرى والبلدات التي يتم الاعتداء عليها.
دولة استيطانية في الضفة
منحت حكومة الاحتلال الضوء الأخضر للمستوطنين في انتهاكاتهم بتوفير كل المقومات المادية والعسكرية والأمنية والإفلات من العقاب للمضي قدمًا في مخططاتهم.
يقول شعبان إن المستوطنين نجحوا في تهجير 25 تجمعًا بدويًا من أصل 250 تجمعًا ما زال ثابتًا وأهله صامدون؛ وسيطروا في سبيل إقامة دولة استيطانية في الضفة على آبار المياه وصادروا ألاف الدونمات بقوة السلاح والترهيب؛ ويقول شعبان إن هذه معركة طويلة يجب أن يحسمها المجتمع الدولي؛ لكننا مستمرون في صمودنا ونضالنا ومقاومتنا حتى دحر هذا الاحتلال وإقامة دولتنا المستقلة وعاصمتها القدس، هذا هو الذي أجمع عليه الشعب الفلسطيني.
الاستيطان يعقد إقامة دولة فلسطينية
ويرى الأكاديمي والباحث في العلوم السياسية د. إبراهيم ربايعة بأنه ليس هنالك تدخلات دولية حقيقية لتقييد المشهد الاستيطاني المنفلت في الضفة، أو التحولات على مستوى الهيكل السياسي الإسرائيلي الذي ينزاح بسرعة نحو اليمين المتطرف، وما يحصل في الضفة الغربية يعقد أية حلول مستقبلية أو حلول قد تكون قريبة الأمد متصلة بحق تقرير المصير والدولتين، تحديدًا وأن 42% من مساحة الضفة هي منطقة استيطانية ناجزة؛ وأن 62% أراضي مصنفة ب (جــ) وهي مناطق تحت السيطرة الاستيطانية الكاملة.
ويؤكد ربايعة أن الظرف الميداني غير جاهز لإنشاء دولة فلسطينية؛ وهناك العديد من الأصوات بدأت تطالب بضرورة وجود قوات أممية ليس فقط في قطاع غزة بل بالضفة للحماية كخطوة أولى من أجل الذهاب نحو مشروع سياسي يتيح الفرصة مرة أخرى لحل الدولتين.
التهجير في الضفة غير متوقع
بالرغم من تهجير 25 تجمعًا فلسطينيا منذ السابع من أكتوبر إلا أن الكاتب ربايعة لا يعتقد أن الظروف الإقليمية والدولية ناضجة للسماح بتهجير واسع للضفة أو حتى تهجير محدود، ويقول ربايعة إن الموقف الدولي يشدد على مناهضة سلوك المستوطنين بالضفة والضغط على إسرائيل للتدخل تجاه هذا السلوك، وأن المكون الاستيطاني هو الفاعل الرئيس في الحكومة الإسرائيلية؛ لكن أعتقد أن هنالك استشعارًا إسرائيليًا ورسائل حتى من الولايات المتحدة وصلت تقول إن هناك ضغط محدود ولكن إن تجاوزت هذا المستوى ربما يكون الضغط أكثر؛ ويفسر ربايعة أن هذا ليس بسبب حب هذه الدول للفلسطينيين، لا؛ بل هنالك حسابات متصلة بالأمن الإقليمي، هنالك أولوية للولايات المتحدة الأمريكية منذ بداية هذه الحرب بعدم الانفجار على مستوى الإقليم، وأن أي ضغط على الفلسطينيين وتهجيرهم على مستوى الضفة الغربية لن تكون ارتداداته محصورة على الفلسطينيين أو حتى على الأردن بل ستكون على مستوى الإقليم.
ويرى ربايعة بأن هناك جهد عربي مهم بهذا الاتجاه سواء من الأردن والسعودية للتحذير وتوضيح أن ما يحدث في الضفة الغربية يحتاج لتدخلات عاجلة؛ ولكن حتى اللحظة لا يوجد تدخلات ناجزة تكبل هذا الواقع الاستيطاني،ويعتقدربايعة أن هنالك خطوط حمر على مستوى الضفة ليس كما يحدث في قطاع غزة، خاصة أن محاولات التهجير في القطاع واجهت مانعًا جغرافيًا لم تستطع إسرائيل تهجير الفلسطينيين إلى سيناء كما كان المخطط منذ البداية، وبالتالي هي تقع اليوم في معضلة أمنية بسبب عدم قدرتها على التهجير، سواء بسبب صمود الفلسطينيين على أرضهم، أو بسبب امتناع مصر التعاطي مع هذا السيناريو، ونسخ هذا السيناريو إلى الضفة الغربية ليس معادلة ووصفة مفيدة لإسرائيل في المدى المنظور.
ميليشيات المستوطنين تشكل نواة لمؤسسات الاحتلال الأمنية
من جانبه يقول المحلل والخبير في قضايا الصراع نزار نزال إن الاحتلال الإسرائيلي يستثمر عادة في الأزمات؛ وقد استغل أحداث السابع من أكتوبر من أجل تنفيذ مشاريع ضخمة؛ كانت في السابق تواجه معارضة دولية خاصة في مدينة القدس.
ويضيف نزال أن الضفة الغربية لم تشهد أحداث كبيرة أو عمليات أدت إلى قتل إسرائيليين أو هجوم على مستوطنة، ولكن إسرائيل تتذرع بأن هناك تقارير أمنية واستخباراتية مستغلة الظرف الحالي.
ويرى نزال أن ميليشيا المستوطنين تحولت إلى دولة، وأن الفلسطينيين أصبحوا يعيشون في قلب هذه الدولة المنفلتة كما وصف؛ وأصبحت هذه الميليشيات نواة صلبة للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية في الضفة، والسيناريو القادم للضفة هو محاولة لترحيل السكان الفلسطينيين من المناطق (جــ) باتجاه المناطق (أ) (ب).
وفي ظل تصاعد الأحداث في الضفة وتنامي الهجمات الاستيطانية؛ قال الرئيس محمود عباس خلال كلمة له في الاجتماع الخاص لمنتدى الاقتصاد العالمي في العاصمة السعودية الرياض، أننا لن نقبل بأي حال من الأحوال تهجير الفلسطينيين سواء من غزة أو الضفة خارج وطنهم، ولن نسمح بتكرار مأساتي 1948 و1967؛ مضيفا بأن ما يجري في غزة ينطبق بشكل أو بآخر على الضفة الغربية، معربًا عن خشيته أن تتجه إسرائيل بعد انتهاء عدوانها على غزة، لترحيل الفلسطينيين من الضفة الغربية، مؤكدا أن الأردن ومصر رفضتا بشكل قاطع ترحيل الفلسطينيين من بلادهم إلى أراضيهما.