مجد الحاج - النجاح الإخباري - لم يصدق محمد أنَّه قضى عشر سنوات في السجن، ولم يتبق له سوى أسبوع واحد ويخرج من زنزانته النتنة، وينطلق لعالم الحرية، أسبوع لم يعرف فيه طعم النوم، ليبقى مستيقظًا منتظرًا ساعة الخروج دقيقة بدقيقة.

العشرون من شهر تموز لعام (2016)، دقت ساعة الحرية، ودقت طبول الفرح في قلب الأسير المحرر "محمد مؤيد منصور" (32 عامًا)، من مدينة نابلس، وفي ثنايا جدران منزله التي تزينت بالورود والفرحة التي عمَّت أرجاءه، استعدت أمه في ذلك اليوم تنتظر قدوم ابنها الذي غاب عنها منذ فترة طويلة، لتعانقه في أعماقها، معلنة للعالم أجمع فرحتها التي لا توصف ولا تقدر بثمن.

فرحة خروجه من السجن لم تخلُ من الحزن، إذ خرج منه ولم يرَ والده بين عائلته، وكان قد توفى والأسير منصور داخل السجن، ويقول منصور لـ"النجاح الإخباري" : "كان يرسل لي رسائل يقول فيها، الله يطول عمري لحد ما أشوفك".

الواحد والعشرون من شهر تموز لعام (2006)، وبعد منتصف الليل من ذلك اليوم، داهمت قوات الاحتلال منزل محمد واعتقلته وهو في بداية عمره، ليحرمه المحتل من أجمل أيام العمر، ويقول " كنت في بداية شبابي وكان عمري (21) عامًا، حُرمت من كل شيء، من أهلي وأصدقائي، حتى بعد خروجي لم تكن الحياة كما عاهدتها قبل سجني، كل شيء تغير، الناس والأصدقاء ومنهم من استشهد واعتقل، حتى البلد تغيرت من شوارع وأزقة، وبعد ثمانية أشهر من الخروج ما زلت أتوه في شوارعها".

ويضيف منصور لـ"النجاح الإخباري": "وجَّه لي  الاحتلال أكثر من قضية، من بينها تجارة السلاح وحيازته، ومساعدة مطلوبين، والتخطيط لعمليات "تخريبية"، كما زعموا وحكمت المحكمة الإسرائيلية بسجني (10) سنوات".

بحزن كبير يستذكر محمد أيام اعتقاله، وكيف ترك أهله وأحبابه، ويقول "دخلت السجن، ووالدي  حمل هم البيت، ومن فيه، وبعد (10) سنوات، خرجت ولم أجد أبي".

بدأت تعابير وجهه تتغير، والحزن يسود عينيه، عندما تحدَّث عن زيارات أهله له في السجن، يقول أنَّه لم ير والده سوى أربع مرات، كونه كان مرفوضًا أمنيًا، وكذلك شقيقته، وعند وفاة والده، لم يعلم بذلك إلا بعد أسبوع من وفاته، كان وقتها على بعد ثلاث سنوات من الخروج الى الحرية، إذ أرسل اليه أصدقاءه في سجن مجدو رسالة تعزية بوفاة والده، كان ذلك في (29/ رمضان من عام 2013)، كان حينها في سجن رامون.

وعن خبر تلقيه وفاة والده، قال منصور لـ"النجاح الإخباري": "حزنت وتألمت كثيرًا، واقتادني غضبي لأحطم كل ما في الغرفة، حتى جلست بمفردي بعيدًا ووحيدًا، لكن للحظة معينة تشعر بأنَّ ما تفعله لن يغير شيئًا من الواقع، وما هو إلا حالة من الحزن الشديد، ومن الصعب أن أُعيشها لتسعة أسرى معي في الزنزانة، فما ذنبهم؟! لذلك كنت أحاول أن أخفي مشاعري، التي  تظهر رغمًا عني".

ويقول منصور: "إنَّ علاقة الأسرى الفلسطينيين بعضهم البعض، مبنية على الحب والمودة والاحترام المتبادل، وأنَّ الشعب الفلسطيني بصغيره وكبيره، بشيخه وطفله، بشبابه، ونسائه ورجاله، يثبت للعالم أنَّ الحزن واحد، والمصيبة واحدة، وعند الفرح فالفرح واحد، وغير ذلك كله البوصلة واحدة، وهي قهر الاحتلال وسجانه.

يتحدث منصور عن الأيام التي مكثها في السجن، وكيف قضى معظم وقته، إذ كان هو طباخ القسم ويقول: "كنت أقضي وقتي في الطبخ، وممارسة التمارين الرياضية، وإصلاح الراديو، وقراءة الكتب".

وعن تعامل سلطات الاحتلال معه، يقول محمد "إنَّ الاحتلال يتعامل مع جميع الأسرى على أنَّهم "إرهابيين"، والحياة داخل السجن صعبة جدًا، والعلاج أسوأ، مضيفًا: "تعرضت لتعذيب نفسي وجسدي، ووضعوني في العزل الانفرادي، والسجان يحاول أن يستفز الأسرى حتى يسبب لهم الضغط النفسي،لا رحمة في السجن"، هذا ما رواه عن معاناته داخل سجون الاحتلال.  

ويقول محمد: أنَّ السجن يحرم الشخص من كل شيء، من الأهل، والحياة، والحرية، مضيفًا: "الأسير بالسجن لا يخرج من زنزانته إلا أربع ساعات في اليوم، و20 ساعة يبقى بين جدرانها، وفي غرفة مساحتها (4 متر* 6) متر، إذ إنَّه يسلب شخصيتك، ويجعل منك إنسانًا أخر، حتى تصبح محرومًا من شعور الآدمية".