نصري الصايغ - النجاح الإخباري - ثقوا بالحزن كثيراً. لعيونكم لغة الدمع. احزنوا بقدر ما تستطيعون. لا عزاء لكم في ثرثرة الكلام. كلام لا يجدي عودة لحبيب، كلام يجيد التفسير، كلام يتدفق كذباً وتبريراً، كلام لا يليق بتشييع احبة لا يحضرون جنازتهم.

ليكن حزنكم دليلنا إلى الصمت. حدث جلل هذا الذي صار. من يعوض هذا الفقدان؟ كل اوقاتكم كانت انتظارات. يا ليت اليقين ظل ناقصاً: لا هم أموات ولا هم أحياء، بين بين. الامل بعودتهم تحول إلى خراب واطلال. فلنبكِ على الاطلال مرتين، مرة من دمع ومرة من غضب.

سيتناوبون عليكم تعزية. تباً هذا الانتصار ناقص نقصانا كبيراً. انتصار جدير بأن ينتسب فقط إلى الشهداء، ولم يبدلوا تبديلا. انتصار له أصل في شهادة من اختطف ومن أعدم ومن قاتل. انتصار بكلفة ثلاث سنوات من المواعيد الخائبة. انتصار صالح التسويق السياسي، فيما هو انتصاركم الكبير، انتصار بحجم الآلام بعدد مئات الايام، على قارعة الفقدان.

اتركوا لهم ضجيج الانتصار. لكم انتصار بقامة نقية، لا تشوبه نوبات الانتهاز. انتصار حقيقي على همج الجرود، على “شياطين الله”، على سخف التحليل، وملاحق الاتهام. ستشهدون معارك بين من لم يقاتل وبين من سقى بدمائه ووجعه عروق الوطن الذي لم يأتِ بعد.

ثقوا بحزنكم ودموع من لا ترونهم من ناس بإحساس انساني ووطني. ثقوا أن ابناءكم واخوتكم احتلوا مساحة من وجوه رجال ونساء بكوا عليهم وعليكم وعلى وطن مختطف ومعتقل في “جرود الطائفية”. ولم يفرج عنه بعد.

لو كان لأولادكم واخوتكم أن يكتبوا وصية، لكتبوا لكم ولنا. هذا الوطن مخطوف، ويحتاج تحريره إلى غضب بقدر ما نستطيع وأكثر. ثمة وقت بعد لتحرير لبنان الرهينة. يا ليت.

إلى زملاء ابنائكم في الجيش والمقاومة الكثير من الشكر. انهم اعّدوا للعدو عدة التحرير. اصابوا، ومنهم من سقط مكتوم الحزن ومحتشم الدمع. ما بخلوا بعطاء. كنتم دليلهم إلى الانتصار من اجلكم كان هذا البذل إلى حد الاستشهاد. مضوا ليعودوا بهم احياء. خدعهم طول الانتظار.

يا أهلهم. أهم الشهداء ام أنتم؟ لم تبق لكم غير الصورة التي تدل على الحضور والغياب معاً. الصورة لا ترسم ما في قلوبكم من حزن ودمع. الصورة مثقلة بمعاناتكم التي تنام معكم وتسكن احلامكم.

أفدح الخسائر، أن يكون من مات مرشح للنسيان. أنتم لن تنسوهم. نحن، برغم دموعنا اليوم سننساهم. صورتهم على جدران بيوتكم. هو مكان اقامتهم. هو مكان حضورهم.

وكيف بكم أن تكونوا طليعة الاحتفاء بالانتصار. يلزم الا تغيب احزانكم عن افراحنا المختصرة. يجدر التأمل باحتفاء نشارك فيه لذة الانتصار بمعاناة الفجيعة. هو انتصار مخضب. انتصار لبس العلم حداداً وفرحا. انتصار بألوان الشعب اللبناني المبرأ من الطائفية.

يا أهلهم. تستحقون الصفوف الامامية. لا تدعوا انتصاركم بأبنائكم الشهداء، مناسبة يستغلها “تجار اليهكل”. هؤلاء ليسوا اهلاً بالمصافحة. من سيصافحهم عليه أن يكون في علو مقامكم وفي رتبة احزانكم وفي ازمنة انتظاراتكم. أنتم قلب هذا الانتصار والآخرون حناجر.

ثقوا بالحزن كثيراً. انه الاصدق على كل ما عداه. ثمة وقت لأزمنة قادمة. حبذا لو يختصر اللبنانيون الانقياء المسافة، ويولد لبنان قريباً، فلا يبقى غائباً بإرادة من تولى هزيمته من الداخل.. كل الخطر من الاعداء الداخليين.

لا تثقوا بمن تعرفونهم من قنّاصي المناسبات. سيمتلئ الاعلام بالاتهامات. ستسفر المعركة بين “الاعداء” إلى صفقة، كالعادة. هؤلاء “الاعداء”، هم “اصدقاء”. وهم يشبهون بعضهم البعض.

تذكروا دائماً، أن دماء ابنائكم، ليست سلعة بين أيدي هؤلاء.

ليس عندنا. نحن الناس، غير أن نحييكم بدموعنا وبصمتنا. وبإهداء النصر لكم وللشهداء.