هاني بكري - النجاح الإخباري -
أما آن لك أن تستدير فنرى وجهك يا حنظلة، أيها الساخط الأبدي على ماض وحاضر وواقع عربي يأبى أن يتحرك قيد أنملة. حنظلة القادم من مجتمعات القهر والإذلال والجوع والمرض ليفضح كل بلاغتنا العربية وضعفنا وقلة حيلتنا وليكون شاهداً على أسوأ عصورنا.
أما حنظلة فهو الشخصية الكاريكاتورية التي أبدعها رسام الكاريكاتور الفلسطيني ناجي العلي، الذي اغتيل في 29 آب (أغسطس) من العام 1989، والذي عبّر من خلال أكثر من 30 ألف لوحة كاريكاتورية ظهر فيها حنظلة عاقداً يديه خلف ظهره مولياً وجهه صوب الحائط ضجراً من حالنا وأحوالنا وتشرذمنا وهواننا على حكامنا والعالم أجمع.
في لوحة عميقة الدلالة يخاطب حنظلة أحد الكتاب: «مقالك اليوم عن الديموقراطية عجبني، شو عم بتكتب لبكرة؟». فيجيبه: «بكتب وصيتي».
هذه اللوحة هي تلخيص لحال الحريات في الوطن العربي، ولحال الالتفاف على مفهوم الدولة الحديثة التي تعني في أبسط بديهـياتها الانتقال من دولة القبيلة إلى دولة المؤسسات.
هذا المصطلح مورس عليه أكبر عملية تزييف في التاريخ حيث حرصت كل الأنظمة القمعية في عالمنا العربي على شكلانية دولة المؤسسات ثم تفريغها تفريغاً كاملاً من مضمونها. تلك الأنظمة رفعت لافتة الديموقراطية والحريات الشخصية لتبرير حال القمع والفساد التي تمارسها، وهي حرصت، فيما حرصت، على انتخابات (شكلية) كانت تكتسحها بنسب مضحكة 99.99 في المئة، كما حرصت كذلك على تشكيل مجالس نيابية يتم اختيار أعضائها بعناية فائقة وبقانون الولاء المطلق حيث لا إمكان للخروج على النص المُعَد سلفاً، وتدفع الجماهير دفعاً بالمال والطعام والقهر لاختيار هؤلاء المرشحين الجاهزين دائماً لتبرير كل خطايا الديكتاتوريات وشرعنة أفعالها.
كما حرصت في الغالب على وجود أحزاب كارتونية مدجنة كديكور لواجهة دولة المؤسسات العجيبة هذه في لؤم ديكتاتوري غير مسبوق.
بهذا الشكل العجيب تحولت دولة المؤسسات هذه إلى مسخ، فلا هي دولة حديثة ولا دولة قبلية ولا جمهورية ولا ملكية، مجرد مستنقعات بشرية ضخمة تشفط فيها ثروات البلاد وأقوات العباد لمصلحة طبقة خاصة أقسمت منذ بدء هبوطها الكارثي على شعوبها على حماية مصالحها الشخصية فقط بأي شكل وبأي صورة.
أما اللوحة الأشد قتامة وبؤساً فكانت لطفلة عربية يقف حنظلة أمام حقيبتها المدرسية المبعثرة من جراء القصف (الذي تعددت جهاته والمقصوف واحد).
في عمق اللوحة يـــظهر عنوان قصة سندريلا الشهيرة على غلاف كتاب ممزق بجوار حقيبة الفتاة المبعثرة على الأرض.
سندريلا التي في الأساطير تتحالف كل قوى الطبيعة والميتافيزيقا كي تثأر لها من ظالميها وتهبها في النهاية السعيدة حياة لائقة وأميراً وسيماً لأحلامها.
سندريلا العربية تتحالف كل أنظمة الدنيا في وهبها واقعاً سوداوياً مريراً وبائساً كي تتحول إلى سندريلا اللجوء والمخيمات والقصف الليلي والتهجير القسري والمنافي والخيم التي لا تقي من قرّ الشتاء ولا من حرّ الصيف. سندريلا التي يتاجَر بقضيتها وتُمتَص دماؤها على طاولة المفاوضات التي تنعـــقد وتُفـــضّ ثم تنــــعقد وتُفضّ ولا شيء، لا شيء، لا جنيات تتعاون ولا أمير ينقذ، وحدها منظمات الإغاثة تتحرك، ومع ذلك تعجز هذه عن إنقاذ سندريلا العربية من الموت جوعاً وبرداً في المخيمات.
وأخيراً يا حنظلة، يا شاهداً على خراب عصرنا الدموي، استرح بجوار جسد صاحبك، فنحن ضد حركة التاريخ والجغرافيا، ومشاكلنا لوغارتمية لا تُحلّ!