إياد العبادله - النجاح الإخباري -  الإعلام يلعب دورًا هامًا وبارزًا في طبيعة الصراع, ويتراقص أربابه في توجيه البوصلة على طبيعة المرحلة وفق التقاء المصالح والأهواء, والاستفادة قدر الإمكان من النتائج المترتبة على الإشكالية ذاتها, فيما يتناسون التفكير في التداعيات والآثار والنتائج التي من شأنها أن تضر بالصالح العام, وأيضا قد تؤدي إلى تفكيك النسيج الوطني, متسترين خلف مواقف معينة ينظرون إليها من زاوية دون أخرى, متجاهلين المعادلة الكبرى, بل قد تكون غائبة عن حساباتهم بعدما أعمت أبصارهم الوعودات المادية والمصالح الشخصية.
إن المتتبع لما يدور على الساحة الفلسطينية من صراعات ومناكفات سياسية, دون النظر إلى أساس الإشكاليات بالنظر إلى السطح دون التعمق في باطن الأمور, يجعل كل كاتب أو صحافي يدير الدفة من زاوية حزبية أو فئوية تتفق مع أهواء داعميه وتقود إلى تفاقم المشكلة دون أن يشعر بمجرد أن يطلق مقاله أو خبره أو تقريره, رغم أن الحلول تكمن في بعض التنازلات وتغليب الصالح العام على الخاص, فالوطن أكبر من الجميع.
المشكلة التي يعاني منها الإعلام الفلسطيني ولازالت تستنزفه وتستشري فيه, تنحصر في عدم معرفة توجيه البوصلة نحو الوطن والإصرار على حصرها في شخصيات تصر على تمرير مشاريعها عبر دعمها أو شرائها لذمم بعض الكتاب والصحافيين, مستغلين في ذلك الأمور المادية بالدرجة الأولى, وباتوا بعيدًا عن هدفهم الأساسي الذي ناضلوا من أجله طويلًا, راكضين خلف مسميات وهمية تندثر مع بزوغ فجر الإنتصارات والاستحقاقات.
فلسطين وطن للكل من عاش في مدنها المحتلة ومخيمات اللجوء الذين هاجروا إليها منذ عام 1948 وعام 1967 وما تبعها من هجرة قسرية من قبل الإحتلال الإسرائيلي والاستمرار في ممارساته التعسفية بتهجير سكان القدس والضفة الغربية من الأسرى إلى قطاع غزة ونفيهم عن مسقط رأسهم الأساسي بمبررات واهية ضاربًا في ذلك عرض الحائط لكل القرارات والمواثيق والشرائع الدولية, وابتداعه لثقافات دخيلة على النسيج الوطني بتقسيم الوطن إلى "كانتونات" ومدن تفصلها بؤر استيطانية وحواجز وأسلاك شائكة في محاولة منه لاضعاف لحمته وقوته وخلق اشكاليات جديدة تخدمه في ضياع عشرات السنوات عبر مفاوضات لا تفي بالحد الأدنى من الحقوق.
ويستمر مسلسل النهج الإحتلالي إلى خلق صراعات قيادية متمثلة في شخصيات نبذها المجتمع الفلسطيني, وبروز اشكاليات جديدة, للأسف انساق خلفها عددًا ممن يتربعون على عرش بعض وسائل الإعلام التحريضية, من أجل اللهث خلف بعض المكاسب الواهية, الذي اشبه ما تكون بالعطشان الذي يرى السراب في الصحراء ويلهث ليرتشف الماء, علمًا أن بحيرات الوطن تكاد تغطي صحاريه.
لا أحد يمنع مناضل زرع في وطنه أو ناضل من أجله حتى لو أجبر على مغادرته, فالحنين إلى الوطن يبقى قاب قوسين أو أدنى, والعمل من أجله يتطلب موقفًا وطنيًا شجاعًا, قبل أن ينتقد أو يهاجم يطرح الحلول من أجل قطف الثمار من داخل الوطن آخذًا بعين الإعتبار فلسطين, بعيدًا عن الأجندات والمصالح التي تضر بالنسيج العام واللعب على أوتار المناكفات, مهما ابتعدنا أو اقتربنا الوطن يجمعنا ويتسع للكل, لذا يجب أن نتحلى بالمسؤولية الوطنية في اعلامنا الهادف وتوجيه البوصلة نحو عدونا الأول والأساسي ألا وهو الإحتلال الذي سلب الأرض ويسعى إلى دمار الإنسان ومقدرات الوطن.
الإعلام يجب أن يُوظَّف مهنيًا وبطريقة تتماشى وفق الأسس الذي بُنيَ عليها مع إحترام الرأي والرأي الآخر, آخذًا بعين الإعتبار مصلحة الوطن بالدرجة الأولى, دون أن يكون "بوقًا" لصاحب المال الذي يدفع مقابل تمرير مشاريعه وتغليب مصالحه الشخصية, فمصادر الخبر معروفة ووسائل الإتصال متعددة تجعل من خبر أو تقرير الصحافي أو مقالة الكاتب بينة يستند إليها ويتم تداولها بعيدًا عما يسمى بـ"مصادر خاصة", فليس عيبًا أن تستخدمها وتجتهد في الوصول إلى نفي المعلومة أو تأكيدها, ولكن العيب يكمن في أن تطلقها لصالح أفراد على حساب مصالح الآخرين, وتسعى إلى تفسيخ النسيج الوطني وتدمير الوطن, مستغلًا في ذلك وسائل الإعلام الجديد التي تتيح لك العمل خلف أسماء مستعارة وصفحات مشبوهة, واللعب على اوتار التصريحات غير الدقيقة والملفقة لخلق حالة في اعتقادك أنها ناجحة لكن حقيقتها سراب يتداوله البعض "ضعاف النفوس والمهنية" من يثقون في وسيلتك.
الإعلام سلاح ذو حدين لذا يجب أن يخضع إلى رقابة دقيقة في عصرنا الحالي الذي تعددت وسائله, وسيطر على جزء كبير منها الإعلام الاجتماعي لضبط الحالة وعدم تحييدها عن مسارها الحقيقي والمهني, وانتقاء التصريحات من مصادرها الموثوقة وعدم تلفيقها لأشخاص تاريخهم النضالي تعجز عن توثيقه الوسائل المدفوعة من قبل البعض والذي أسست لهذا الغرض بهدف خلط الأوراق لصالح بعض المتنفذين, كما يجب أن تحجب الوسائل التي تبث سمومها من الخارج, فأهلا ومرحبًا باعلام فلسطيني ينتقد ويعالج الأمور على طبيعتها الحقيقية دون التلاعب في المفردات والمصطلحات وتزويرها, أهلا وسهلًا بإعلام فلسطيني حقيقي يراعي في رسالته مصلحة الوطن.