النجاح الإخباري - يجلس الطفل أحمد دوابشة، على ساقي جدّه، الذي لا يكاد يفارقه، ويتسلق حتى يصل رأسه ويقبّله، ثمَّ يتحوَّل الأمر إلى معركة محببة بالأيدي، بعد رفض الصغير لفكرة الكاميرا التي يحملها مصور "وفا" الزميل أيمن النوباني، الذي فشلت محاولاته بالسلام عليه.

"لا احب الصحفيين ولا الكاميرات، تعبت منهم." يقول الطفل دوابشة الناجي الوحيد من المحرقة التي نفَّذها مستوطنون بحق عائلته في الحادي والثلاثين من تموز عام (2015) ، في قرية دوما جنوب نابلس، والتي راح ضحيتها الأب سعد (32 عامًا)، والأم ريهام (27 عامًا)، والطفل الرضيع علي (18 شهرًا).

عامان على المحرقة وجسد دوابشة ما زال شاهدًا يحمل الكثير من معاني الألم، من نيران أكلت من أطرافه وجزء كبير من جسده حتى فروة رأسه، حرَّمت عليه اليوم أشعة الشمس، لكن فقدان العائلة كان أقسى درجات الحرمان بالنسبة له.

سنوات مضت، والكاميرات وعيون الصحافة موجهة صوب الطفل، الذي أصبح تحت الأضواء دائمًا، جعلته يكره ما يحبه الكثير من الأطفال، لكن أيًّا من أضواء فلاشات الكاميرات لن تعيد شريط أوجاع ما زال يعيشها.

حضن جدّه والد أمه حسين دوابشة وغرفته الصغيرة التي لا ينقصها شيء من أحلام الأطفال، هما عالمه الخاص، وفيه يتقن فن الحياة بعيدًا عن تساؤلاته التي يطرحها دومًا "ليش هيك عملوا فينا؟ ليش إحنا حرقونا؟ ليش أنا جسمي هيك؟ ...

الطفل دوابشة الذي قطع شوطًا في مرحلة العلاج بعد عامين من الجريمة، إلا أنَّه يحتاج إلى أربع عمليات جراحيّة لإطالة بعض الشرايين، ثمّ الانتقال إلى مرحلة عمليات التجميل التي تأخذ وقتًا طويلًا، ولكن كيف تعالج التشوهات التي طالت قلبه، ونفسه.

ارتداء الملابس القصيرة التي تكشف أجزاء من جسده المحروق تشكّل له حرجًا، من تساؤلات الأطفال، ومن حوله.

دوابشة احتفل بعيد ميلاده السابع قرب قبر عائلته وقرأ لهم الفاتحة، حسب جده حسين دوابشة (52 عامًا) الذي أهمل عمله وتركه للبقاء قرب حفيده الناجي الوحيد.

قبل شهرين اجتاز أحمد الصف الأول، وحصل على شهادة من المدرسة التي تحمل اسم أخيه الرضيع علي، الذي يتمنى أن يعود كلما شاهد ذلك الفيديو الذي انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو يداعبه.

التلفاز في قائمة الكره لدى دوابشة، إلا لمشاهدة لاعبه المفضل كريستيانو رونالدو، والعشق يكنّه للحلاوة بعد جده الذي جعله يشتريها الساعة الواحدة والنصف فجرًا. 

تعود المحاولات مرة أخرى للحديث مع الطفل دوابشة، بالسؤال عن أصحابه، ومعلمته في المدرسة، بعد لعبة رمي النقود، واختيار الخاسر، والرابح، الا أنَّ عدسات الكاميرات التي أبعدت عن المكان، ظلَّت تشكل هاجسًا له.

شجرة اللوز في منطقة تسمى "الخلة" تعنى له الكثير، فهي تذكره بخروجه إليها مع عائلته في فصل الربيع، وما قام به مع العائلة من التقاط صور، وتناول الغداء واللعب ، حسب جده دوابشة.

عيد الأم بالنسبة له وردة يضعها على قبر والدته. عندما أوصت المعلمة أن يهدي كل طالب وردة لأمه. قال "أنا ما عندي أم"، وذهب ووضع وردة على قبرها.

وفاة جدّه الحاج محمد حسن أبو نصر، كانت الصدمة الأخرى بعد فقدان عائلته، وربما يفقد الكثير وهو بانتظار إصدار حكم بحق من نفَّذوا هذه الجريمة من عصابات "تدفيع الثمن".

فيما يغادر طاقم العمل يعود الطفل دوابشة إلى غرفته -عالمه الخاص-، لمشاهدة ما تبقى من حلقات الرسوم المتحركة على شاشة الهاتف الصغيرة المعروفة نهايتها، فيما تبقى لقصته فصول أخرى.

(وفا)