حسام أبو النصر - النجاح الإخباري - لم تعد تلك الاسلاك الكهربائية المنتشرة بين أزقة المخيمات، وشوارع قطاع غزة ذات جدوى سوى لنشر الغسيل البالي، بل وملاذ للغربان التي تذكرنا بشؤم الظلام، فحتى الموسيقى الهادئة اختفت، فلا صوت يعلو فوق صوت المواتير، في سيمفونية لا تُعزف الا في غزة، بين أعلاها وأدناها صوتاً، واجملها ذاك الصوت المتذبذب الذي ينذر بفناء البنزين لتتفوق بذلك على (سُلم بيتهوفن) في الجمهور المستمع غير المستمتع، في جو ترتفع فيه الغيمة السوداء فنستنشقها بعمق مكرهين، بديلا عن رحيق الزهور الذي ذبل بمياه عادمة.

يضيء تلك المدينة قمر احيانا، وغالبا شموع، لتذكرنا بمضارب الجاهلية، تحيطها اسلاك احتلال شائكة، وتخترقها أسلاك كهرباء عارية، دون حياء، اما الراديو فيخبرنا دوما عن مبادرات حل الازمة، فيما ذاك الغزي المتذمر يهذي: (لا تيار كهربائي نافع، ولا تيار سياسي سره باتع). لقد انتشر داء العصر الذي يحصد الارواح لا بالمرض بل بأيدينا، ليبقى اهل المدينة المناضلون قابضون على ضوء الكشاف، وضوء اللد، والبطارية، كتمسكهم بعودتهم إلى ارضهم بما فيها اللد وطبرية، والى ذلك الحين غزة منورة بأهلها.