صادق ناشر - النجاح الإخباري - المجاعة التي تمر بها دولة جنوب السودان، منذ عدة أشهر تدق جرس إنذار حول ماهية الدول التي يتم سلقها على عجل، والتي تنسلخ عن الدول الأم وتحاكي واقعاً مريراً من المعاناة، ودولة جنوب السودان واحدة من الدول الناشئة التي تمردت على السودان الكبير وارتضت أن يكون لها استقلالها الخاص، والذي تم قبل نحو ست سنوات، إثر استفتاء شعبي، عرف ب«استفتاء تقرير المصير»، إلا أنها تدفع اليوم ثمن هذه المغامرة التي لم تكن محسوبة العواقب.

كان الكثير من المراقبين يروجون لنموذج دولة عصرية في جنوب السودان، خاصة وأنها لقيت دعماً من دول عدة، حتى أن إسرائيل كانت من الدول المبتهجة بهذا الانفصال، أو «الانسلاخ» عن السودان الكبير، لكن واقع الحال يؤكد أن هذه الدولة دخلت بعد عامين من ولادتها في صراعات على السلطة بين زعمائها وقادتها.

جاءت خطوة الرئيس سيلفا كير، بعزل رياك مشار، من منصب نائب الرئيس لتشكل المنعطف الكبير في دخول دولة جنوب السودان مرحلة الصراع الدامي، حيث جاءت هذه الخطوة بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، في العلاقة بين الرجلين، وأدخلت البلاد في أتون حرب أهلية، وانعكست على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ووصلت إلى حد أنها أوقعت البلاد في مجاعة مهلكة.

خلال الفترة التي سبقت إعلان دولة جنوب السودان، لم يتم تدارك الأمر بتنفيذ برنامج إصلاحي حقيقي من شأنه أن يحافظ على النسيج الاجتماعي للبلد، ما أدى إلى ضمور فكرة التعايش السياسي والمجتمعي بين شمال السودان وجنوبه، وحصل ذلك في وقت كانت فيه المؤامرات ضد السودان الكبير تتضح معالمها شيئاً فشيئاً، ولم تكن ممارسة دول كبرى في زيادة الشحن السياسي إلا دليلاً على رغبتها في تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ.

مع الأسف وقعت الخرطوم في محظور مخططات تقسيم للسودان الكبير، وهو غاية إسرائيل ودول غربية أخرى استغلت حالة غياب الوعي السياسي بخطورة هذا المخطط، فدخل السودان في مرحلة تقسيم الأرض التي تجسدت في ظهور دولة جنوب السودان في شهر تموز من العام 2011.

في الوضع السوداني يمكن القول إن التجزئة خيار غربي نفذ بأيدي السودانيين، وخطورة هذا الأمر أنه تم الترويج غربياً لفكرة الدولة النموذج، وهي الدولة الانفصالية، التي ما إن خرجت من جسد السودان، حتى واجهت مصيراً مظلماً، لا تزال تداعياته قائمة، حتى اليوم، وتعتبر المجاعة من تجليات هذا الواقع الذي بات يغرق فيه المواطن في دولة جنوب السودان، على الرغم من أن المواطن في الضفة الأخرى من البلاد ليس بتلك الرفاهية فهو يغرق أيضاً بمشاكل لا حصر لها ولا عد.

باختصار الانفصال خيار مدمر لأي دولة، لكن في نفس الوقت على الدولة الوطنية استيعاب الجميع والحفاظ على خيار الوحدة في إطار التنوع، خوفاً من السقوط في مستنقع الحروب الأهلية، كما هي حال أكثر من بلد عربي.

عن «الخليج»