د. إيهاب عمرو - النجاح الإخباري - تجتاح الشارع الفلسطيني منذ مشاركة الشاب عساف وفوزه بلقب "محبوب العرب" حالة من النشوة، خصوصاً لدى الشباب، بحيث أصبح فوزه ملهماً لكثير من الطامحين في الحصول على "شرف" المشاركة في البرنامج والمنافسة على الفوز باللقب. وظهر ذلك جلياً في الموسم الذي تلا فوز "عساف" حيث نافس فلسطيني على اللقب ووصل إلى المرحلة النهائية دون أن يتوج به، وقيل وقتها إن ذلك الشاب الفلسطيني هو الذي حصل فعلاً على اللقب دون أن يتسنى لنا التأكد من صحة المعلومات الواردة. في الموسم الحالي، بلغت مشاركة الشباب الفلسطيني ذروتها حيث وصل إلى المرحلة النهائية شابان فلسطينيان يتنافسان على اللقب مع شاب يمني، مع تخوفات لدى الشارع الفلسطيني من تشتت الأصوات بين المتسابقين الفلسطينيين وتركيزها لصالح المتسابق اليمني، إضافة إلى مرامي أخرى قد تكون سياسية لها علاقة بما يجري في الإقليم، غير أن ذلك ليس من المسلمات.

 وأود التأكيد ابتداء أن طموح الشباب لا ينبغي أن يكون له حدود وأنه من المهم أيضاً مخاطبة الآخرين بلغة وأدوات يفهمونها ويولونها اهتماماً خاصاً ومن ضمنها الفنون، غير أنه لا بد من توجيه ذلك الطموح باتجاه الوجهة الصحيحة، وأقصد توجيه طاقات الشباب نحو اهتمام أكبر بالعلوم والمعارف والأدب الراقي ما يساعد على النهوض بالمجتمع ورفعته ورفع الضيم عنه، كون أن المشاركة في تلك المسابقات أصبحت هدفاً للشباب في حد ذاته، ناهيك عن أنها أصبحت حالة عامة ما أدى إلى إنشغال الناس، خصوصاً الشباب منهم، بمتابعة تلك البرامج على حساب متابعة برامج أكثر أهمية، أو الاستزادة بالمعارف الإضافية بواسطة القراءة. 

وفي هذا الصدد أتساءل وأجيب، ما الفائدة التي سيجنيها المجتمع الفلسطيني من مشاركة شاب فلسطيني في برنامج كهذا؟ وما الفائدة التي سوف تعود على عموم المجتمع في حالة فوز أحدهم باللقب؟ دون شك فإن تلك المشاركات، على أهميتها، لن تساهم في تحقيق تنمية اقتصادية أو رفاهية اجتماعية أو إنجازات سياسية، وأن ما يحقق كل ما سبق هو الاهتمام بالعلوم كأساس، والاهتمام بالفنون لا يجب أن يكون على حساب العلوم التي هي الأساس لبناء المجتمع المنتج والمثالي.

 ويحضرني في هذا السياق نماذج عديدة لدول مرت بمراحل مختلفة عبر التاريخ وكانت على وشك الانهيار، غير أن اهتمامها منقطع النظير بالعلوم ساهم في إنقاذها وبقائها كألمانيا مثلاً التي أولت اهتماماً خاصاً بالعلوم والصناعات بعد الحرب العالمية الثانية، ما ساهم في أن استعادت عافيتها وفرضت نفسها كقوة اقتصادية عالمية بعد أن كانت على وشك الفناء بدلاً من البقاء. خلاصة القول: لا بد من إعادة توجيه اهتمام الشباب وطاقاتهم نحو الاهتمام بالعلوم بشكل رئيسي، مع الإبقاء على الاهتمام بالفنون دون أن يكون ذلك على حساب العلوم، إلا إذا كانت الفنون محل الاهتمام تعد جزءاً من العلوم المكتسبة ما يبرر معه الاهتمام أيضاً بشكل رئيسي بالفنون. ويتعين على الجهات صاحبة الاختصاص تعزيز الاهتمام بالعلوم، وعدم الانسياق وراء العواطف أو رغبات المجتمع التي قد تعلي من شأن الفنون، على أهميتها، على حساب العلوم، كون أن المجتمعات تبنى بالعلم. وحثت الشريعة الغراء على الاهتمام بالعلم حيث قال تعالى: "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون".

 وفي الحديث الشريف ".. وإن العلماء هم ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر". وفي هذا السياق تحضرني أبيات من الشعر ترفع من شأن العلم وتمجد العلماء، منها: "العلم يبني بيوتاً لا عماد لها.. والجهل يهدم بيوت العز والكرم"، وأيضاً "ففز بعلم تعش حياً به أبدا..الناس موتى وأهل العلم أحياء".