زهير قصيباتي - النجاح الإخباري - حزناً على إسرائيل التي تحمّلت «ظلماً كبيراً» حين ندّد مجلس الأمن بتوسيع الاستيطان، كاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب يذرف دموعاً أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو... «بيبي» المندهش بـ «فرصة للسلام تعدّ سابقة» سيلتقطها في عهد ترامب، اصطاد طريدة ثمينة، ليست سوى جهل الإمبراطور بالتاريخ، وجهله بما يعني حين يمهّد عملياً لدفن حل الدولتين حتى قبل نعيه.
هو مع الدولة الواحدة التي يصرّ اليمين الإسرائيلي على أنها يهودية خالصة، لا تحتمل دماء أخرى، قد تكون يوماً «إرهابية»!... دماء إسلامية حتماً، لتبرير «دفاع إسرائيل عن النفس»، وحاجتها إلى عدو أبدي.
تلقّف نتانياهو في البيت الأبيض أولى هدايا «التاجر» المتلهّف إلى الصفقات في إدارة الشؤون الدولية، فترامب «الواقعي» لا يريد فرض حل ينهي الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. لم يساوِ الضحية بالجلاد، بل حوّل الجلاد ضحية لـ «ظلم الأمم المتحدة» و «كراهية» الفلسطينيين. تحدّث عن «تنازلات» من طرفي الصراع، وبخجل طلب وقف إسرائيل وتيرة الاستيطان المتسارعة... «قليلاً».
لا كلمة واحدة في كل ما أعلنه الرئيس الأميركي عن معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال، ومآسيهم تحت الحصار في غزة، وتشريد كثيرين منهم واقتلاعهم بقبضة الاستيطان في الضفة الغربية.
فلنتخيل أن أميركياً يستمع إلى الرئيس «الموسوعي» لفرط خبرته في قضايا العالم والصراعات مع إسرائيل... ماذا عساه يظن سوى أنّ الدولة العبرية تحت «احتلال» فلسطيني، وأنّ ذروة العدالة «إنصاف» يهودها؟! ألم يجاهر ترامب بأن إسرائيل «رمز للعالم على مستوى الصمود والقمع»؟
بداية أخرى للعهد الأميركي الجديد. بداية كارثة، كل ما أوحى به للفلسطينيين خيبة كبرى وإحباط مخيف، لأن «الآتي أعظم». فالهروب إلى صيغة «مبادرة سلام بغطاء إقليمي»، سيؤدي أولاً إلى ضغوط أميركية على الدول العربية كي تتخلى عن حل الدولتين، وتنضم إلى واشنطن في تشييع الحلم الفلسطيني ومشروع الدولة المستقلة. وسيؤدي ثانياً إلى زرع مزيد من الألغام على طريق المصالحة الفلسطينية- الفلسطينية، وتجديد مرحلة «التخوين» لأن السلطة مضطرة إلى فتح حوار مع إدارة ترامب، من أجل لجم اندفاعها لنقل السفارة الأميركية إلى القدس... وتبديد «الالتباسات» حول الدولة اليهودية، والحل الممكن بحدوده الدنيا التي لا يمكن أي زعيم فلسطيني التفريط بها.
التعمية والخداع لجعل الفلسطيني «جلاداً» بـ «التحريض والقتل»، إن كانا هدية ترامب الأولى لضيفه «الصديق»، فعنوان «المبادرة» الجديدة الأميركية للسلام هو تسوية «قضية» إسرائيل وشطب فلسطين ودولتها. «أبو مازن» يريد «دولة إرهابية» لا تعترف بالدولة اليهودية، قال نتانياهو، فيما «التاجر» يجهل حتماً أن ستين في المئة من أراضي الضفة الغربية باتت في قبضة المستوطنين. قضم بعد قضم، ويجهل ترامب بالطبع أن 1.5 مليون فلسطيني يعيشون في إسرائيل، ولا ضمان بعدم تهجيرهم وطردهم من الدولة اليهودية.
هدية ثانية «صغيرة» لرئيس الوزراء الإسرائيلي الذي غمره مضيفه بسخائه، وعد بعدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي. والسخاء ذاته شجع «بيبي» على طلب اعتراف واشنطن بضم الجولان المحتل إلى السيادة الإسرائيلية.
إنه «عهد جديد» يراه غلاة اليمين الإسرائيلي المتطرف، ولماذا دولة فلسطينية «بعد الأردن وغزة»؟
الدويلة - السجن قائمة في غزة، تحت الحصار الإسرائيلي وتهديد الغارات وتهديم ما بقي بين الخراب في القطاع.
لا يزعج دولة العصابات في إسرائيل، الكيان - الدويلة في قبضة «حماس» في غزة. وبعدما أتاحت حروب المنطقة وصراعاتها منذ عام 2011، أفقاً لاطمئنان «ليكود» والمتشدّدين إلى ضمان أمنهم لخمسين سنة مقبلة، عين نتانياهو على قرن كامل. تشجعه صراعات أخرى بين الفلسطينيين، ونزع ما بقي من عمق عربي لقضية فلسطين.
ويوسّع طموحاته الاصطياد في مستنقعات الجهل الأميركي، ومياه المنطقة العكرة بـ «داعش» وجنون التطرف.