رزان بني عودة - النجاح الإخباري - عالم ورديْ، جملة لطالما سَمِعتُها في الجامعة ولم أدركْ العمق وراء هذا، ربما كُنت على درايةٍ أني سأبذل جهداً في الحصولِ على وظيفة، ربما كُنت على دراية أيضاً أن الجامعة سهلة بالنسبةِ لما بعدها، لكن كان عليَّ التَعُمقْ أكثر في درجة الدراية استعدادا لبيروقراطية سوق العمل الموجود.

كالعادة تذهب لِتقدُمِ لوظيفة ظاناً أن كلَّ شيء كما يجب، مُستعداً أن تُقدمَّ كل ما لديكْ من قدراتٍ وإمكانيات ملتزماً بقواعد العمل البيروقراطية، لكن حتى هذه القواعد اللعينة تَخذِلُكْ لتجد أن التخطيط أخذك إلى أبعد الحدود، وتمادى حتى على هذه القواعد، لتجد نفسك في خدعةٍ كبيرة لم تكن على درايةٍ عميقة بها قبل الخوض إلى بيروقراطية السوق.

في غضونِ شهرين، وفي خضم تخبطي بأعمالٍ عشوائية، صُدمت بأول قاعدةٍ بيروقراطية، وهي الأشد سوءاً، لأنه متى فقدنا الإحساس العميق بغيرنا فان هذا يعني أننا فقدنا أعز شيء نملكه وهو الإنسانية، فإذا تجردَّ الشخص من إنسانيته فماذا سيبقى من الإنسان؟ هل يتبقى له أن يُعامل كآلة؟ هل كُلما كَبُرَّ الإنسان قلت قيمته وكأننا في مزاد دونَ الأخذِ بالاعتبار أن هذا الإنسان حتى وصلَّ إلى هذا العمر انجزَّ الكثير وأصبح لديه خبراتْ كثيرة، بعد ان رمته الحياة في أكثرِ من مجال، فسألت نفسي: هل سوق العمل استهلاكي لهذا الحد، وأن الإنسان يُسْتَهلَك كما تُسْتهلك الاشياء.

"اليوم هو المستقبل الذي كنتَّ قلقاً عليه"، اليوم هو المستقبل الجميل الذي طالما حَلُمْتَ به تحقق الآن في يومٍ واحد، فهل هذا ما قلقتَّ عليه حقاَ؟ وهل هذا هو المستقبل الذي أشغلني التفكير والتأمل به طيلة أربعَّ سنوات من الدارسة الجامعية؟ كنتُ أخشى دائماً من عدمِ تحقيق حلمي الكبير، والآن اصبحت أحلُم بالحصولِ على وظيفة وأسأل نفسي مراراً: هل يُعقل أن الوظيفة البسيطة أصبحت حُلما صعب المنال؟ هل ما أطلبه خارج المنطق؟ لقد درست وسهرت وتعبت وأظن أنه من المنطقي أن أحصل على وظيفة في تخصصي لِأني دخلت الجامعة ودرست للعمل فيه، مع العلم أن الوظيفة في البداية لم تكن بالنسبةِ لي حُلما، لأني تعلمت دائماً بأن أطمح للأفضل وبأن تكون أحلامي اكبر من ذلك، لكني لم أضع بالحسبان، أن هذه الخطوة الصغيرة تحتاج الى كل هذا الجهد والتعب، بل لأجلها تشتت طاقاتي في أكثرِ من مكان ، وحتى نصل الى أحلامُنا وأهدافُنا علينا أن نعاني كثيراً، ويبدو ان علينا أن نَتَعثر في طرقٍ كثيرة نَجْهَلُها للوصولِ الى حلم "الوظيفة" التي تمر عبر متاهة امتلاك الخبرة والمهارة التي تتحقق بالعمل الغائب كي تستمر الدوامة في البحثِ عن الخبرة والوظيفة المرتبطة بها.

ومع كل تلك الصعاب الضياع سنقول دائماً ان أيام الشغف والحُلم والإصرار، وبداية اكتشاف الحُلم، والشخصية المميزة التي تكمنْ داخلكْ تبقى تُشعركَّ أنكَّ ما زلتَّ على قيد الحياة، وبالرغم من تبدد قدرات وإمكانيات الكثير منا في مكانٍ ليس لها، إلا أن الحُلم سيستمر كي تكتمل قصة تحقيقه.

* نقلا عن صحيفة القدس