النجاح الإخباري - في غزة، حيث يعم الدمار كل زاوية، لم يترك الاحتلال شيئًا دون أن يمسه بظلاله القاتمة. لم يستثنِ إنسانًا ولا شجرًا ولا حجرًا؛ قتل وهجر ومحى تاريخًا عريقًا، جذوره ضاربة في أعماق الأرض، أكبر وأعمق من دولة الاحتلال نفسها.


في الثامن عشر من أبريل لعام 2024، تحولت قلعة برقوق، التي يتراوح عمرها قرابة 650 سنة وكانت ملتقى للأجيال ورمزًا للتراث في خان يونس، إلى ركام تحت وطأة القصف.

الأهالي الذين شهدوا الدمار يقفون اليوم مذهولين أمام ما تبقى من تراثهم العريق.

شادي الأغا، أحد السكان، يعبر عن حزنه العميق قائلاً: "في ثانية واحدة، مُحيت قدسية القلعة التي عاشت لآلاف السنين".

وعبر الأغا الذي يسكن بمنزل مجاور لقلعة برقوق عن حزنه لهذه الخسارة وقال "القلعة كل طفل صغير يعلم أنها رمز لخان يونس وتراثها من أجيال كبيرة وسنوات عديدة قرون كما ترى حجم الدمار الذي حدث محا قدسية القلعة ورمز التراث لآلاف السنين. في ثانية واحدة الجيش الإسرائيلي مسح كل هذا".

وتحدث عن تاريخ بناء القلعة عام 1387 ميلادية حيث بناها الأمير يونس بن عبد الله النورزي الداودار بناء على طلب من السلطان برقوق مؤسس دولة المماليك البرجية. ويُطلق عليها البعض اسم قلعة خان يونس نسبة للنورزي وكان بها خان لكنه شبه مهدم حاليا. وتعني كلمة خان النزل أو الاستراحة.

ويضيف سامي الجردلي، آخر من سكان المنطقة، "القلعة كانت قلب خان يونس النابض، وتدميرها هو تدمير لروح المدينة": "كنت أبكي في داخلي".. هذه هي الكلمات التي وصف بها الفلسطيني سامي الجردلي مشاعر الفقد والأسى التي انتابته جراء الدمار الذي حل بقلعة برقوق في خان يونس جنوب قطاع غزة، والمجاورة لمنزله والتي ارتبط بها في مراحل حياته كافة منذ الطفولة.

كحال غيره من سكان المدينة يأسف الجردلي لما حدث وقال "بالنسبة لقلعة برقوق هي تعتبر قلب خان يونس النابض تدميرها تدمير خان يونس. هم استهدفوا الحجر والبشر والشجر في خان يونس واستهداف الآثار يريدون منح محو آثارنا وتراثنا وتاريخنا وحضارتنا".

وعن مكانة القلعة بالنسبة لأهالي خان يونس يوضح "القلعة هي رمز الحضارة مثل المسجد العمري في غزة عمر هذه القلعة 650 أو 700 سنة. في لحظة جاء الجيش الإسرائيلي ومحاها".

وخلال ست شهور متواصلة من الحرب الإسرائيلية التي لم تعترف بحرمة مكان أو إنسان، بات قطاع غزة خاليًا من نحو 200 معلم أثري وتراثي من أصل 325 موقعًا تاريخيًا، نتيجة التدمير الممنهج الذي يمارسه الجيش الإسرائيلي منذ عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر الماضي.

ووفق مصادر فلسطينية رسمية، فإن إسرائيل تتعمد تدمير المعالم الأثرية الفلسطينية بهدف طمس وتغيير هوية غزة، حيث دمرت خلال الحرب الحالية عشرات التلال والمتاحف التاريخية وأقدم المساجد وثالث أقدم كنيسة بالعالم، فضلاً عن تضرر 146 بيتًا قديمًا وعشرات المكتبات والمراكز الثقافية، وهو أمر يخالف اتفاقية لاهاي 1954 الدولية التي تستوجب حماية الملكية الثقافية في الحروب والنزاعات المسلحة.

القلعة التي بنيت في عام 1387 ميلادية، والتي كانت تعني النزل والاستراحة، لم تعد اليوم سوى ذكرى بين الأنقاض. وبينما يمكن إعادة بناء المنازل والمساجد، يبقى السؤال: من يستطيع إعادة القلعة التي انتهت في دقيقة؟ الجدران التي حملت كتابات العصور، والأرض التي شهدت تعاقب الأجيال، تقف اليوم شاهدة على فقدان لا يمكن تعويضه، وتراث لا يمكن استرجاعه.

المصدر: وكالة أنباء العالم العربي